فصل: المقصد الرابع في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد الرابع في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي:

وفيه ثلاثة أطرف:
الطرف الأول في المكاتبات إلى الأمراء الأتراك بالبلاد المعروفة ببلاد الروم المسماة الآن ببلاد الدروب:
قال في التعريف: وهي البلاد المنحصرة بين بحري القرم والخليج القسطنطيني تنتهي في شرقيها إلى بحر القرم المسمى بحر نيطش، وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينية، وتنتهي جنوباً إلى بلاد الأرمن، يحدها البحر الشامي. قال: وهذه البلاد بلاد متسعة وهي مفرقة لملوك مجتمعة، ولكنه لا يطلق عليها إلا اسم الإمارة ولا انتظام لكلمتهم، واجتماع لجملتهم، ثم قال: وأكبرهم صاحب كرميان وله بينهم وضع محفوظ ونظام مرعي.
أما ملوكنا، فأجل من لديهم منهم جماعة بني قرمان، لقرب ديارهم، وتوصل أخبارهم، ولنكاياتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن، واحتياجهم لهم من ذلك الجانب، مثل احتجاج عساكرنا لهم من هذا الجانب، فمكاتبتنا إلى بني قرمان لا تكاد تنقطع، وأما إلى البقية فأقل من القليل، وأخفى من مرأى الضئيل. ثم عد منهم ستة عشر أميراً. وذكر رسم المكاتبة إلى كل واحد منهم: الأول: صاحب كرميان. قال في التعريف: ولم يكتب إليه مدة مقامي بالأبواب السلطانية، ويشبه أن تكون المكاتبة إليه بالمقر نظير صاحب ماردين، لكن بأبسط ألقاب، إذ هي أدعى لاستحسانهم لقلة معارفهم، وعلى هذا التقدير يكون رسم المكاتبة إليه: أعز الله تعالى نصر المقر الكريم العالي الملكي الأجلي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري المظفري المنصوري الفلاني عون الأنام، شرف الملوك والسلاطين نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدم العساكر، ظهير أمير المؤمنين.
قال: فإن لم يسمح له بكل هذه المخاطبة، ولم يؤهل لنظير هذه المكاتبة، كتبت هذه الألقاب مع الجانب الكريم، وخوطب بالإمارة إن لم يسمح له بالمخاطبة بالملك.
قال في التثقيف: ولعل مكاتبته بالجناب مع هذه الألقاب كما ذكر ومخاطبته بالإمارة أولى، لأنه إذا كان بنو قرمان أجل لدى ملوكنا، ومكاتباتهم بالدعاء والمجلس العالي، فيتعين حيث هو أكبر منهم أن يكون هو أعلى منهم رتبة في المكاتبة بدرجتين، وهي: الجناب الكريم. قال: هذا هو الأولى عندي. قلت: وهذا كله إنما كان قبل أن يعلو قدر ابن عثمان صاحب برسا الآتي ذكره، ويرتفع قدره على من بتلك البلاد جملة. أما بعد ارتفاعه وانحطاطهم دونه فينبغي أن ينظر في قدر المكتوب إليه، ويكتب إليه بحسب ما تقتضيه الحال.
الثاني: صاحب طنغزلو. قال في التعريف: ورسم المكاتبة إليه: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الأميري ولم يذكر العلامة إليه، قال في التثقيف والذي وجدته مسطوراً في مكاتبته الاسم والسامي بالياء.
الثالث: صاحب توازا. قال في التعريف: وهو في المكاتبة نظير صاحب طنغزلو، ولم يزد على ذلك، غير أنه ذكر أن اسمه في زمانه كان على أرينه وذكر في التثقيف أنه لم يقف على رسم مكاتبة سوى ذلك.
الرابع: صاحب عيدلي. قد ذكر في التعريف أن اسمه في زمانه دندار أخو يونس صاحب أنطاليا. وأنه نظير صاحب توازا في المكاتبة، فتكون المكاتبة إليه: صدرت والعالي. قال في التثقيف: ولم أقف على رسم مكاتبة إليه سوى ذلك، إلا أنه ذكر بعد ذلك صاحب عدليو. وقال أن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء، وذكر أن المقر الشهابي بن فضل الله لم يتعرض إلى ذكره في التعريف ثم قال: وقد تكون هي عيدلي المقدم ذكرها، وإنما تكررت بتغيير الحروف. قال ولم يتحرر هل لهما اثنان أو واحد.
الخامس: صاحب كصطمونية وهي قسطمونية. قال في التعريف وكانت آخر وقتٍ لسليمان باشا، وكان أميراً كبيراً كثير العدد موفور المدد ذا هيبةٍ وتمنع. ثم قال: وورث ملكه ابنه إبراهيم شاه، وكان عاقاً لأبيه خارجاً عن مراضيه وكان في حياته منفرداً بمملكة سنوب. قال وهي الآن داخلة في ملكه منخرطة في سلكه.
وذكر أن رسم المكاتبة إليه: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري بأكمل الألقاب، وأتم ما يكتب في هذا الباب. وذكر في التثقيف نقلاً عن القاضي ناصر الدين بن النشائي، وأمين الدين خضر مثل ذلك، وأن العلامة إليه أخوه.
السادس: صاحب فاويا. قال في التعريف وهو يعني في زمانه مراد الدين حمزة، وهو ملك مضعوف، ورجل بمجالس أنسه مشغوف. قال: ورسم المكاتبة إليه: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري بالياء. وقال في التثقيف وهو غير بعيد.
السابع: صاحب برسا. وقد ذكر في التعريف أنه في زمانه أرخان بن عثمان. ثم قال وهو نظير صاحب فاويا في المكاتبة، فتكون مكاتبته السامي بالياء. وقال في التثقيف ولم أطلع على رسم المكاتبة إليه غير ذلك، إلا أنه ذكر في الفصل الأول من الباب الرابع في الكلام على مكاتبات الحكام أرخان بن عثمان. وقال: إن لقبه سيف الدين. ثم قال ويقال إنه صاحب برسا، وذكر أن رسم المكاتبة إليه في قطع العادة والدعاء والمجلس العالي، والعلامة أخوه وتعريفه اسمه.
قلت: وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن الأمر قد آل في بني عثمان إلى أرخان بن عثمان جق، ثم إلى ابنه مراد بك، وأنه اتسع ملكه وجاوز في الفتح الخليج القسطنطيني، حتى قارب خليج البنادقة، ثم إلى ابنه أبي يزيد فزاد في الملك على ما كان بيد أبيه، وتزوج في بني قرمان، ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته، ولم يبق خارجاً عن ملكه إلا سيواس، فإنها كانت مع قاضيها إبراهيم المتغلب عليها، ولم يزل ذلك حتى قصده تمرلنك وأسره، ومات في يديه، وملك بعده ابنه سليمان جلبي. ثم مات، وملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق، وهو القائم بها الآن وكانت المكاتبة قد استقرت إلى أبي يزيد في الأيام الظاهرية برقوق.
الثامن: صاحب أكبرا. قد ذكر في التعريف: أنه كان في زمانه دمر خان بن قراشي، وذكر أن مكاتبيه نظير مكاتبة صاحب برسا، يعني السامي بالياء، وذكر في التثقيف: أنه لم يقف على سوى ذلك.
التاسع: صاحب مرمرا. وقد ذكر في التعريف: أنه في زمانه كان بخشي بن قراشي. وقال إن رسم المكاتبة إليه: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي. قلت: وقد تقدم في المسالك والممالك أن هذه البلدة كانت جزيرة بالخليج القسطنطيني بها مقطع رخام، وأن النصارى غلبوا عليها.
العاشر: صاحب مغنيسيا. ذكر في التعريف: أن اسمه صاروخان، وقال: إن المكاتبة إليه السامي بالياء. وذكر في التثقيف: أنها صارت بعده إلى ابنه إسحاق بن صاروخان، وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة بالاسم والسامي بالياء.
الحادي عشر: صاحب نيفٍ. ذكر في التعريف: أنه في زمانه كان علي باشا أخو صاروخان صاحب مغنيسيا المقدم ذكره، وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل أخيه المذكور، فتكون صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي.
الثاني عشر: صاحب بركي. ذكر في التعريف: أنها في زمانه كانت بيد ابن أيدين ولم يصرح باسمه. وقال أن المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بالألقاب التامة، وذكر في التثقيف: أنه لم يقف له على مكاتبة غير ذلك.
الثالث عشر: صاحب فوكه. ذكر في التعريف: أنه كان في زمانه أرخان ابن منتشا، وأن المكاتبة إليه نظير صاحب بركي، فتكون الدعاء مع العالي بالألقاب التامة أيضاً، وذكر في التثقيف: أنه لم يقف في مكاتبته على غير ذلك.
الرابع عشر: صاحب أنطاليا. ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه خضر بن يونس، وقال أن اسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي. وذكر في التثقيف: أن خضر بن يونس المذكور كان يلقب سنان الدين، وأنه استقر بعده دادي بك، ثم استقر بها آخراً محمد المعروف بكاجوك، وذكر أن المكاتبة إليه أخوه والدعاء العالي، ثم قال وهو الأصح لأنه آخر ما استقر عليه الحال في مكاتبته وكتب به إليه.
الخامس عشر: صاحب قراصار. ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه زكريا، وأن رسم المكاتبة إليه: هذه المكاتبة إلى المجلس السامي، بلا ياء وذكر في التثقيف: أنه لم يطلع على مكاتبة إليه سوى ذلك وأنه لم يكتب إليه شيء في مدة مباشرته.
السادس عشر: صاحب أرمناك. ذكر في التعريف: أنها كانت في زمانه بيد ابن قرمان ولم يصرح باسمه وذكر في التثقيف: أن اسمه علاء الدين سليمان قال في التعريف: ورسم المكاتبة إليه: أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بأكمل الألقاب وأكبرها وأجمعها وأكثرها، وذكر في التثقيف أن آخر من استقر بها في شوال سنة سبعَ وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان، ووافق على رسم المكاتبة المذكورة. وقال: إن العلامة إليه أخوه وتعريفه فلان بن قرمان.
قال في التعريف: ولإخوة صاحبها ابن قرمان المذكور رسوم في المكاتبات، فأكبرها قدراً وأفتكهم ناباً وظفراً، الأمير بهاء الدين موسى. وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه حضر إلى الأبواب السلطانية، وحج مع الركب الشريف، ثم عاد إلى الأبواب السلطانية، وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة، وأشرك في الرأي، وسأل السلطان في كتابة منشور بما يفتحه من بلاد الأرمن فكتب له. قال في التعريف: واستقرت المكاتبة إليه مثل مكاتبة أخيه. قال: أما بقية بني قرمان فدونهما في المكاتبة. واعلم أن صاحب التثقيف قد زاد على ذلك من أمراء هذه البلاد ستة نفر.
أحدهم: الحاكم بالعلايا. وذكر أنه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة أخوه والدعاء والعالي، في قطع العادة.
الثاني: صاحب بلاط ورنحر، ذكر أنه كان بها أمير موسى بن إبراهيم بن منتشا وأن المكاتبة إليه في قطع العادة والده والدعاء: والمجلس العالي.
الثالث: صاحب أكردور وهي أكردون. ذكر أنه كان بها إلياس بن مصطفى من بني حميد، وأن رسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال عندما كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة والده والسامي بالياء.
الرابع: صاحب أيا سلوق. ذكر أنه كان بها عيسى بن أيدين، وأنه كتب إليه في شوال من السنة المذكورة أيضاً.
الخامس: صاحب يلي شار. ذكر أنه كان بها الأمير محمد ولم يذكر نسبته وقال: إن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء.
السادس: الأمير ذروان بن كرمان بن منتشا، ذكر أنه ممن استجدت مكاتبته في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة. واعلم أنه قد زاد في التثقيف ذكر مكاتبة جماعة لم أتحقق هل هم من أهل هذه البلاد أم من غيرها. منهم صاحب قلعة الحنفاء، ذكر أنه كان اسمه سيف الدين قويجي وأن المكاتبة إليه في قطع الثلث والسامي بالياء.
ومنهم صاحب قلعة الجوز، في قطع الثلث الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه.
ومنهم صاحب بكجرى: استجدت الكتابة إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة، وكتب إليه الاسم والسامي بغير ياء.
ومنهم الحاكم بقلعة أبيض كتب إليه الاسم ومجلس الأمير.
ومنهم الحاكم بقلعة نعمة كتب إليه الاسم ومجلس الأمير أيضاً.
ومنهم الحاكم بقلعة أشنى: وهي أشنو كتب إليه كذلك.
على أنه قد ذكر منهم جماعة أيضاً ليسوا من أهل هذه البلاد جملة، منهم نائب خلاط، وصاحب موغان، وهي موقان، والحاكم بإسعرد وهي سعرت، وصاحب قيشان وهي قاشان. وقد تقدم أن خلاط من أرمينية وموقان من أرمينية وإسعرد من ديار ربيعة من الجزيرة الفراتية وقاشان من عراق العجم وبالجملة فقد خلط في التثقيف في البلدان تخليطاً كثيراً وخلط بعض أقاليم البلاد ببعض. قلت: قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات ذكر أصول يعتمدها الكاتب في كتبه تعم الكتب السلطانية وغيرها وأنا أذكر هنا ما يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان على النمط الجاري عليه الاصطلاح الآن ليسهل القصد إليها لقربها، ويحصل الغرض من ذلك، بذكر تسعة أمور: أولها: مقادير قطع الورق، قد تقدم في الكلام على مقادير قطع الورق المستعملة في دواوين الإنشاء جملة، والذي يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان أربعة مقادير: أحدهما: قطع البغدادي الكامل، وقد مر أنه يكتب فيه للقانات.
وثانيها: قطع النصف، وفيه يكتب إلى أكابر الملوك ممن دون القانات.
وثالثها: قطع الثلث، وفيه يكتب إلى الرتبة الثانية بعد الملوك.
ورابعها: قطع العادة، وفيه يكتب إلى أصاغر الملوك والولاة غيرهم.
الثاني: العنوان، قد تقدم في مقدمة الكتاب أن الذي كان يكتب عنوانات الكتب السلطانية في الزمن المتقدم هو صاحب ديوان الإنشاء دون غيره، أما الآن، فإن كاتب كل كتاب صار هو الذي يكتب عنوانه بنفسه.
وقد جرت العادة في عامة الكتب السلطانية أن يكون المكتوب فيها هي ألقاب المكتوب إليه ونعوته التي في صدر المكاتبة في الباطن، ثم يدعى للمكتوب إليه في آخر الألقاب الدعوة التي صدر بها الدعاء في الصدر مثل: أعز الله أنصاره أو ضاعف الله نعمته وما أشبه ذلك من الأدعية التي تفتتح بها المكاتبات، فإن كان الكتاب مفتتحاً بالحمدلة أو بلفظ من فلان، كتب في العنوان الألقاب التي في صدر الكتاب بعد ذلك، ثم بعد الدعاء يخلي بياضاً قليلاً، ثم يذكر تعريف المكتوب إليه، مثل صاحب فلانة ونحو ذلك مما تقدم ذكره من التعريفات. وتكون كتابة العنوان بنظير قلم الباطن في الدقة والغلظ. وتكون أسطره متصلة من أول عرض الدرج إلى آخره، وأسطره متلاصقة متتالية.
الثالث: الطرة التي يكتب فيها تعريف المكتوب إليه، والعلامة التي يكتبها المكتوب عنه، والسبب في كتابته.
وقد جرت العادة في ذلك أنه يكتب في رأس الدرج في الجانب الأيمن إلى فلان وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا وفي الوسط العلامة التي يعلمها السلطان مثل أخوه أو والده أو اسمه، لينظر عند علامة السلطان على الكتاب فيعلم حال الكتاب، ويجري الأمر في العلامة على هذا الرسم، وتكون كتابتها بقلم الكتاب من ثلث أو رقاع أو غيرهما، إلا أن يكون الكتاب بمختصر الطومار في قطع البغدادي فيكون بذلك بقلم الثلث. وهذه الطرة تقطع بعد أن يعلم على الكتاب.
الرابع: البياض في أعلى الكتاب، وقد جرت العادة في الكتب السلطانية أن العلامة إلى المكتوب إليه، وإن كانت أخوه أو والده ترك فيها ثلاثة أوصال بياضاً بما فيه من وصل العنوان، ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع، وإن كانت العلامة إليه الاسم، ترك وصلان بياضاً فقط وكتبت البسملة في أول الوصل الثالث، ثم يكتب السطر الأول من الكتاب على سمت البسملة ملاصقاً لها، ثم يخلى موضع العلامة بياضاً، ويكتب السطر الثاني على سمت الأول في أواخر ذلك الوصل على قدر إصبعين من آخره، ثم يجعل بين كل سطرين أربعة أصابع مطبوقة، إن كان القطع صغيراً وإن كان القطع كبيراً كان فيه قدر ربع ذراع أو نحوه بحسب المناسبة، فإذا انتهى إلى آخر الكتاب كتب إن شاء الله تعالى في الوسط على بعد قدر إصبعين من السطر الآخر. ثم يكتب كتب في التاريخ كذا من شهر كذا من سنة كذا وكذا ويكون في آخر ذكر الشهر سطر، ومن أول سنة كذا إلى آخر سطر. ثم يكتب المستند على نحو البعد المذكور: فإن كان بتلقي كاتب السر خاصة كتب حسب المرسوم الشريف فقط. وإن كان بتلقي كاتب السر وكتاب الدست من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف في السطر وتحته بقدر إصبع من دار العدل الشريف في السطر. وإن كان برسالة الدوادار كتب حسب المرسوم الشريف في سطر، وتحته بقدر إصبع برسالة الجناب العالي الأميري الفلاني الدوادار الفلاني، بلقب السلطان ضاعف الله تعالى نعمته، وإن كان من ديوان الخاص، كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته من ديوان الخاص الشريف، وإن كان بخط السلطان بأن كتب على القصة بالخط الشريف، كتب حسب الخط الشريف في سطر واحد. وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر، وكتب تحته بقدر إصبع كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى.
وإن كان بإشارة أستاد الدار كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر، ثم يكتب تحته بقدر إصبع أستاد الدار العالية أعلاها الله تعالى، على أنه قد تقدم في الألقاب أن كتابتهم أستاد الدار هو عرف جرى عليه اصطلاحهم، وأن الصواب فيه إستدار بغير ألف بعد التاء. وتكون كتابة المستند ببياض من جانبيه، سواء كان سطراً واحداً أو سطرين، ثم إذا فرغ من كتابة المستند، كتب الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في سطر كامل على بعد قدر إصبعين من المستند، ثم يكتب الحسبلة على قدر إصبعين من سطر الحمدلة والتصلية.
وقد تقدم في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة نقلاً عن عبد الرحيم بن شيثٍ أن موضعها من ثلث السطر الأخير من أوله إلى حين تنتهي كتابتها.
الخامس: قد ذكر ابن شيثٍ في معالم الكتابة أنه لا يكتب في حواشي الكتب السلطانية، لأن في ذلك شحاً بالورق وذلك مما لا يليق بالسلطان ولا خفاء في استقباح ذلك بل قد يستقبح ذلك في غير السلطان كما سيأتي ذكره في الإخوانيات.
السادس: العلامة السلطانية على المكتوب، في بيت العلامة من البياض السابق ذكره، قد ذكر في التعريف أن أكبر من يكتب إليه من الأمراء والمماليك البيت الشريف فترجمته بالخط الشريف ووالده ومن دون ذلك الاسم الشريف، أما الغرباء كملوك المسلمين والعربان وأكابر القضاة وأهل الصلاح الأكابر، فترجمته بالخط الشريف أخوه ومن دون ذلك الاسم الشريف.
والذي استقر عليه الحال آخراً في زماننا أن لأكابر الأمراء من النواب وغيرهم أخوه لرفعة مكان الأخ على الولد، ولمن دونهم والده ولمن دون ذلك الاسم وباقي الحال على ما ذكره، وقد سبقت ترجمة كل مكتوب إليه في الكلام على المكاتبة إليه. وأما القانات الكبار فقد تقدم بالكلام على المكاتبة إليهم أنه تكتب لهم طغراة بالألقاب السلطانية فوق البسملة.
السابع: طي الكتب السلطانية، قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات نقلاً عن ابن شيث من كتاب الدولة الأيوبية أن كتب السلطان يكون طيها في عرض أربعة أصابع، وأن مقتضى ذلك أن كتب السلطان بالديار المصرية كانت تطوى على هذه الهيئة كما في كتب أهل المغرب الآن، والذي استقر عليه الحال آخراً أنها يجعل طيها في صورة أنبوب القناة ولا تضغط في طيها لتكون نبيلة تعظيماً لأمر السلطان وإجلالاً لقدره.
الثامن: ختم الكتاب، قد تقدم في الكلام على الخواتم واللواحق في المقالة الثالثة أن الكتب السلطانية كانت تختم بسحاءة، ويطبع عليها بطين أحمر يأتي به من سيراف، وتختم بخاتم كما تختم المغاربة الآن. أما الآن فقد استقر الحال على أن الكتب تلصق بالنشا أو في ما معناه من الكثيراء ونحوها، وقد سأل الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى الشهاب محمود رحمه الله حين بلغه وقوع بعض كتاب دمشق في حقه عمن غير طين الختم بالنشا، ولم أقف على الزمان تغير ذلك ولا من غيره، على أني حللت معظم أسؤولة هذه الرسالة في خلال هذا الكتاب مفرقة في مواضعها.
التاسع: أن الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية، إن كانت إلى حد من عظماء الملوك كالقانات ببلاد الشرق، أو ملوك بلاد الغرب ونحوهم ممن يتعانى البلاغة في الكتب الصادرة عنه، كتبت مسجوعة كلها، وإن كانت إلى صغار الملوك والحكام كتبت غير مسجوعة، وإن كانت إلى أحد من أهل المملكة، فإن كانت في أمر بعد وقوعه، كالكتابة بالبشارة بوفاء النيل، أو جلوس السلطان على التخت لأول مرة، أو برئه من المرض، أو ولادة ولد له، أو البشارة بفتح، أو الإعلام بركوب الميدان، أو الإنعام بخيل أو نحوها، كتبت مسجوعة، وإلا كتبت مرسلة غير مسجوعة.
الطرف الثاني في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية على المصطلح المستقر عليه الحال إلى ملوك الكفر:
واعلم أن ملوك الكفر المكاتبين إلى هذه المملكة جميعهم نصارى: من الروم والفرنج والكرج والحبشة وغيرهم، إذ كانوا هم المستولين على أكثر الممالك. أما اليهود، فإنهم لم يبق لهم مملكة معروفة، بل هم تحت الذمة أين كانوا. قال تعالى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس. قال في التعريف وجميع الكتب المكتوبة إلى ملوك الكفر لا يشملها الخط الشريف أصلاً، بل يكتب فوق البسملة في الكتاب بخط الكاتب عوض العلامة الشريفة أسطر قصيرة ببياض من الجانبين ما صورته:
من السلطان الأعظم الملك الناصر مثلاً العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الشاهنشاه، فلان الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، وارث الملك ملك العرب والعجم والترك، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، إسكندر الزمان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان، واهب الأقاليم والأمصار، مبيد الطغاة والكفار، حامي الحرمين والقبلتين، جامع كلمة الإيمان، ناشر لواء العدل والإحسان، سيد ملوك الزمان، إمام المتقين قسيم أمير المؤمنين، أبي فلان ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني الفلان، خلد الله سلطانه ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه.
وأوضح ذلك في التثقيف فقال: ويكون في الطرة بعد وصلين بياضاً من أول الكتاب بهامش جيد من الجانبين يمنة ويسرة ويكونان على قدر بياضهما سواء تقدير أربعة أصابع فأكثر من كل جانب، من الورق العريض، وفي قطع العادة دون ذلك وتكون الأسطر متقاربة ما بينهما من البياض تقدير إبهام أو أزيد منه بشيء يسير، وإذا انتهت الألقاب يترك بعدها وصلاً أبيض، ثم يكتب البسملة الشريفة، وبعدها رسم المكاتبة للمكتوب إليه.
الطرف الثالث في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم بالجانب الشمالي منه:
وهو صاحب البلغار والسرب. وهي بلاد في نهاية الشمال. متاخمة لصاحب السراي، وقد ذكر في التعريف المكاتبة إليه في المكاتبة إلى جملة ملوك المسلمين. وقال: إن صاحبها يظهر الانقياد لصاحب السراي، وإنه أرسل رسله تطلب له الألوية من الأبواب السلطانية فجهزت إليه مع ما جرت به العادة من السيف والتشريف والخيل المسرجة الملجمة. وذكر أن اسم المكاتبة إليه على ما كتب إذ ذاك: أعز الله نصر الجانب الكريم العالي الملكي الأجلي الكبيري العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي سيف الإسلام والمسلمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش مقدم العساكر جمال الملوك والسلاطين، ذخر أمير المؤمنين.
ثم هذا الطرف يشتمل على أربعة مقاصد مشتملة على الجهات الأربع:
المقصد الأول في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد الشرق:
وجملة من بها من ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان:
الأولى: مملكة الكرج من النصارى الملكية. قال في التعريف: ويقال في المسلمين الكرد، وفي النصارى الكرج، وقال: وموقع هذه البلاد بين بلاد الروم وبين بلاد أرمينية وهي بلاد جليلة ومملكة مفخمة وكأنها متقطعة بين البلادين، ولها ملك قائم وبها ملك دائم وأمها مدينة تفليس، وسلطان بنت هولاكو بمملكة إيران يحكم عليها، ويرالغه تصل إليها، إلا أنه لا يطغى بها سيله، ولا تجوس خلال ديارها للحرب المضرمة خيله، وإنما له بها تومان اتخذه سداداً لثغرها وقياماً لأمرها منزلهم فسيح بواديها أهل حل وترحال، وتنقل من حال إلى حال، قال: وآخر من كان له في هذه البلاد سمعة وأقيلت به للمهابة صرعة، الشيخ محمود بن جوبان، وكان باسلاً لا يطاق ورجلاً مر المذاق، لما جرت الكائنة لأبيه لاذ بالسلطان أزبك قان ثم لم تطل له مدة، ولا انفرجت له حلق شدة وأتاه أجله وما استطاع رده. ثم قال: وعسكر الكرج صليبة دين الصليب وأهل البأس والنجدة وهم للعساكر الهولاكوهية عتاد وذخر، ولهم بهم وثوق وعليهم اعتماد ولا سيما لأولاد جوبان وبنيه، وبقايا مخلفيه، لسالف إحسان جوبان إليهم، ويد مشكورة كانت له عندهم، وكان صديقاً لملكهم برطلما يغرس عنده الصنائع، ويسترعيه الودائع، فكان أخص خصيص به وأصدق صديق له، يدعوه للمهم ويستصرخ به في الملم، ويعده رداءاً لعسكره ومزيلاً لمنكره. وعقب ذلك بأن قال: وبرطلما المذكور عهدي به حي يرزق من أجل ملوك النصرانية، وأعرق أنساب بني المعمودية، وقد كان كتاب الأبواب السلطانية بسبب كنيسة المصلبة، وأن ترفع عنهم الأيدي المتغلبة، فبرزت الأوامر المطاعة بإعادتها عليهم وكانت قد أخذت منهم وهي بظاهر القدس الشريف، واتخذت مسجداً، وعز هذا على طوائف العلماء والصلحاء وإن لم يعمل هذا سدى، قيل: إنه كان يحسن لجوبان قصد البلاد، ويبذل له عليه الطارف والتلاد.
وذكر أن اسم المكاتبة إليه: أدام الله تعالى بهجة الحضرة العلية حضرة الملك الجليل الهمام الباسل الضرغام السميدع الكرار الغضنفر المتخت المتوج العالم في ملته، العادل في رعيته، بقية ملوك الأغريقية، سلطان الكرج ذخر ملك البحار والخلج حامي حمى الفرسان وارث آبائه في الأسرة والتيجان سياج بلاد الروم وإيران، سليل اليونان، خلاصة ملوك السريان بقية أبناء التخوت والتيجان، معز النصرانية مؤيد العيسوية مسيح الأبطال المسيحية معظم البيت المقدس بعقد النية، عماد بني المعمودية ظهير الباب بابا رومية مواد المسلمين خالصة أصدقاء المقربين، صديق الملوك والسلاطين.
وهذا دعاء أورده في التعريف يليق به وهو: وحمى ملكه بوده لا بجنده، وبوفاء بعهده لا بجيشه ومد بنده، وبما عندنا من سجايا الإحسان لا بما يظن أنه من عنده وبما في رأينا الموري لا بما يقدح النار من زنده وربما قيل مصافي المسلمين بدل مواد المسلمين.
أما في التثقيف فقد ذكر أن في للكرج ملكين أحدهما صاحب تفليس المقدم ذكره، وذكر أنه كان اسمه إذ ذاك داود الثاني الحاكم بسخوم وأبخاس وهما مدينتان على جانب بحر القرم من الجانب الجنوبي كما تقدم ذكره في الكلام على المسالك والممالك في الجانب الشمالي، وسمي صاحبها إذ ذاك ديادان. قال: ورسم المكاتبة إلى كل منهما في قطع النصف: أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل المكرم الخطير الباسل الهمام المقدس الروحاني فلان، عز الأمة المسيحية كنز الطائفة الصليبية فخر دين النصرانية ملك الجبال والكرج والجرجان صديق الملوك والسلاطين. وتعريف كل منها ملك الكرج.
ثم قال: وقد ذكر القاضي المرحوم شهاب الدين بن فضل الله في المكاتبة المذكورة من التغيرات ما لا حاجة إلى ذكره، لأن ما ذكرته هو المستقر في المكاتبة إليه إلى آخر وقتٍ.
قلت: وذلك لأنه في زمن المقر الشهابي بن فضل الله مرعي الجانب بممالأة التتر وانضمامه إلى جوبان، كما تقدم الإشارة إليه، فكانت المكاتبة إليه إذ ذاك أعلى وأفخم، فلما زالت دولة التتر من إيران وحمدت قسوتهم انحطت رتبة المكاتبة إلى ملك الكرج عن هذه الرتبة. ثم قد تقدم في المسالك والممالك في الكلام على مدينة تفليس أنها من إقليم أران وأنها كانت قد فتحها المسلمون. ثم غلب عليها الكرج وملوكها فلو عبر عن صاحبها بمتملك تفليس كما كان يعبر عن المستولي على سيس من الأرمن بمتملك سيس، وعن المستولي على قبرس بمتملك قبرس على ما سيأتي ذكره على الأثر إن شاء الله تعالى.
الثانية: مملكة الأرمن وقاعدتها مدينة سيس قبل فتحها وقد سبق في الكلام على مدينة سيس عند ذكر مضافات حلب في الكلام على الممالك الشامية في المسالك والممالك ذكر حدود هذه البلاد وبيان أحوالها وأنها كانت تسمى في زمن الخلفاء بلاد الثغور والعواصم وأنها كانت بأيدي المسلمين وأهلها نصارى أرمن وعليهم جزية مقررة يؤدونها إلى الملوك على أن كانت طاعتهم آخراً لبقية الملوك السلاجقة ببلاد الروم، والعمال والشحاني على بلادهم من جهة الملك السلجوقي حتى ضعفت تلك الدولة وسكنت شقاشق تلك الصولة، وانتدب بعضهم لقتال بعض وصارت الكلمة شورى، والرعية فوضى وشوامخ المعاقل مجالاً للتخريب والبلاد المصونة قاصية من الغنم للذيب، وطمع رئيس النصارى بهذه البلاد حينئذ فيها واستنسر بغاثه، واشتد إنكاثه، ورأى سواماً لا ذائد عنه فساقه، ومتاعاً لا حأمية له فملأ منه أوساقه فاستولى على هذه البلاد وتملكها وتحيف مواريث بني سلجوق واستهلكها. زذكر في مسالك الأبصار أن كبيرهم كان يسمى قليج بن لاون.
قال في التعريف: وقد أخذ في أخريات الأيام الناصرية يعني محمد بن قلاوون بلاد ما وراء نهر جاهان وأمها آياس وكان قد أخذ بعض ذلك أيام الملك المنصور لاجين واستنيب به أستدمر الكرجي ثم أعيدت إلى الأرمن بمواطأة أستدمر حين قتل لاجين وضعفت الدولة. وذكر أنه قرر على الأرمن لملوك الديار المصرية قطيعة مقررة بلغت ألف ألف ومائتي ألف درهم من أصناف ثم حط لهم منها ثم صاروا بعد ذلك بين طاعة وعصيان. وذكر أنه كان لملوك البيت الهولاكوهي عليهم حكم قاهر، وله فيهم أمر نافذ، قبل ضعف شوكتهم ولين قسوتهم وخلو غابهم من قسورتهم، ثم قال: لو تمكنوا من دمشق لمحوا آثارها وأنسوا أخبارها، ثم أشار إلى أن ملكها يومئذ صاهر صاحب قبرس ليتقوى به وأنه مع ذلك أوصى سلطاننا صاحب مصر على إبنه بوصية أشهد عليها أهل مملكته وجعل ذلك وسيلة لبقاء دولته، وكتب له تقليد عوضاً عن أبيه وجهز إليه وألبس التشريف فلبس وقبل الأرض به وخدم. قال في التعريف: ومن ملك منهم سمي التكفور سمة جرت عليهم منذ كانوا وإلى الآن. قال: وملكهم ملك عريق من أبناء الملوك يزعم أن أصله من البيت القسطنطيني قال: وعندي نظر في دعواهم ذلك، إذا كان أهل ذلك البيت هم صليبة الروم ومعتقدهم معتقد الملكانية والبيت التكفوري أرمن ومعتقدهم معتقد اليعاقبة أو ما يقاربه وبين المعتقدين بعد عظيم، وبون ناء. وقد ذكر في التعريف أن اسمه ليفور بن أوشير وذكر أن رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان بن فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بن المعمودية، صديق الملوك والسلاطين.
وهذه أدعية ذكرها في التعريف تناسبه: وفقه الله تعالى لطاعة يكنفه ذمامها، وبقية مصارع السوء التزامها وتجري له بسلامة في النفس والمال أحكامها.
آخر: ولا عدم من منننا الكرم الذي أجاره والأمن الذي أمن جاره والأمان الذي وسع عليه وجاره، والعفو الذي وقاه في الدنيا قبل الآخرة ناراً وقودها الناس والحجارة.
آخر: أبقاه الله لولاء يبديه وفرض من الخدمة يؤديه دينٍ في ذمته من الوظيفة يقوم به مع طرائف ما يهديه.
آخر: أراه الله ما يستدفع به من مواضي السيوف البلاء إذا نزل والسمهري الذي لا يرويه البحر إذا نهل، والسيل الذي لا يقف في طريقه شيء ولا يمشي على مهل.
آخر: صان الله تعالى بمصانعته من أهل ملته كل قبيل وأمن الله بمداراته من خوف جيوشنا المنصورة كل سبيل وصد عنه بصدق صداقته بعث جنودنا الذي لا يرد وأوله بالفرات وآخره بالنيل.
آخر: ولا زال يتوقى بطاعته بوادر الأسنة وعوادي الخيل موشحة بالأعنة وعيث الجيش حيث لا يبقى إلا أحد الأقسام الثلاثة: القتل أو الأسر أو المنة.
آخر: جنب الله رأيه سواء التعكيس، وشر ما يزين لمثله إبليس وأخذ جنائب قلاعه وأول تلك الجنائب سيس.
والذي ذكره في التثقيف أنه كان اسمه كستندين بن هتيوم وأن رسم المكاتبة إليه على ما كان استقر عليه الحال إلى حين الفتوح في سنة ست وسبعين وسبعمائة في قطع العادة: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعظم المعزز الهمام الباسل فلان بن فلان، عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بن المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا، وتعريفه متملك سيس، قال: وكتبت أنا والجماعة إليه بهذه المكاتبة مرات.
قلت: وقد بطلت هذه المكاتبة بفتح سيس حين فتحها قشتمر المنصوري نائب حلب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في التاريخ المقدم ذكره واستقرت نيابة في رتبة نيابة طرابلس وما في معناها ثم استقرت تقدمة عسكر في مضافات حلب على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك هناك. وإنما كان يقال له متملك سيس، دون ملك سيس، لما تقدم من أنها كانت أولاً بيد المسلمين، ثم وثب عليها رئيس الأرمن المقدم ذكره فملكها من أيدي المسلمين، ولله الحمد في إعادتها إلى يد المسلمين، واستقرارها في جملة الممالك الإسلامية.
المقصد الثاني في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد المغرب من جزيرة الأندلس وما والاها مما هو شمالي الأندلس من الأرض الكبيرة:
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك من المقالة الثانية أن المسلمين كانوا قد افتتحوا جزيرة الأندلس في خليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنها أقامت بأيدي المسلمين إلى رأس الستمائة من الهجرة ولم يبق منها بيد المسلمين إلا غرناطة وما معها من شرق الأندلس عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام، وباقي الجزيرة على سعتها بيد أهل الكفر من نصارى الفرنج، وإن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك: الأول: صاحب طليطلة وما معها ولقبه الأذفونش، سمة على كل من ملك منهم، وعامة المغاربة يسمونه الفنش، وله مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طليطلة وقشتالة وإشيبلية وبلنسية وقرطاجنة وجيان وجليقية، وسائر أعمالها.
الثاني: صاحب أشبونة وما معها، وتسمى البرتغال ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربي عرضاً له تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس.
الثالث: صاحب برشلونة وأرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة.
الرابع: صاحب بيرة وهي بين عمالات قشتالة، وعمالات برشلونة وقاعدته مدينة ينبلونة، ويقال لملكها ملك البشكنس ووراء هؤلاء بالأرض الكبيرة صاحب إفرنسة التي هي أصل مملكة الفرنج كما تقدم في الكلام على المسالك والممالك، وملكها يقال له الريد إفرنس. قال في التعريف: وهو الملك الكبير المطاع، وإنما الأذفونش هو صاحب السطوة وذكره أشهر في المغرب لقربه منهم وبعد الريد إفرنس.
والمكاتب منهم ملكان: الأول: الأذفونش المبدأ بذكره. قال في التعريف: وبيده جمهور الأندلس وبسيوفه فنيت جحاجحها الشمس وهو وارث ملك لذريق، ولذريق هذا الذي أشار إليه في التعريف هو الذي انتزعها المسلمون من يده حين الفتح في صدر الإسلام. قال صاحب التعريف: وحدثني رسول الأذفونش بتعريف ترجمان موثوق به من أهل العدالة يسمى صاح الدين الترجمان الناصري، إن الأذفونش من ولد هرقل المفتتح منه الشام وإن الكتاب الشريف النبوي الوارد على هرقل متوارث عندهم مصون، يلف بالديباج والأطلس ويدخر أكثر من ادخار الجواهر والأعلاق وهو إلى الآن عنهم لا يخرج ولا يسمح بإخراجه ينظر فيه بعين الإجلال ويكرمونه غاية الكرامة، بوصية توارثها منهم كابر عن كابر وخلف عن سلف.
قال: وكان الأذفونش ممن قوي طمعه في بلاد مصر والشام في أخرى ليالي الأيام الفاطمية ثم قال: ومكاتباته متواصلة والرسل بيننا وبينه ما تنقطع على سواء مقاصده، وخبث سره وعلانيته أهدى مرة إلى السلطان سيفاً طويلاً وثوباً بندقياً وطارقة طويلة دقيقة، تشبه النعش وفي هذا ما لا يخفى من استفتاح باب الشر والتصريح المعروف بالكناية فكان الجواب أن أرسل إليه حبل أسود وحجر أي أنه كلب إن ربط بالحبل وإلا رمي بالحجر.
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أطال الله بقاء الحضرة السامية حضرة الملك الجليل الهمام الأسد الباسل الضرغام الغضنفر بقية سلف قيصر حامي حماة بني الأصفر الممنع السلوك وارث لذريق وذراري الملوك فارس البر والبحر ملك طليطلة وما يليها بطل النصرانية عماد بن المعمودية حامل راية المسيحية وارث التيجان شبيه مريحنا المعمدان، محب المسلمين صديق الملوك والسلاطين، الأذقنش سرقلان.
دعاء وصدر يليقان به:
وكناه شر نفسه وجناه ثمر غرسه ووقاه فعل يوم يجر عليه مثل أمس وأراه مقدار النعمة بالبحر الذي تمنع بسوره وتوقيٍ بترسه. أصدرناها إليه وجند الله لا يمنعهم مانع ولا يضر بهم في الله ما هو جامع ولا يبالون أكتائب يخلفونها أم كتباً، وجدأول تعرض لهم أم بحار لا تقطعها إلا وثباً.
آخر: ووقاه بتوفيقه تلاف المهج، وكفاه بأس كل أسدٍ لم يهج وحماه من شر فتنةٍ لا يبل البحر الذي تحصن به ما يعقده غبارها من الرهج. أصدرناها إليه وأسنتنا لا ترد عن النحر، وأعنتنا لا تصد بسورٍ ولا ضرب من وراء البحر. قلت: وينبغي أن تكون في قطع النصف.
الثاني: صاحب برجلونة ووهم في التثقيف فجعله هو الأذفونش المقدم ذكره وقال إنه يلقب أتفونش، دون الحاكم. ثم قال: وهم طائفة الكيتلان ورسم المكاتبة إليه في قطع النصف بقلم الثلث الكبير أدام الله تعالى بهجة الحضرة الموقرة الملك الجليل المكرم المبجل الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام الريد أرغون، فلان نصير النصرانية، فخر الأمة العيسوية، ذخر الملة المسيحية حامي الثغور متملك السواحل والبحور عماد المعمودية، ظهير بابا رومية ملاذ الفرسان، جمال التخوت والتيجان صديق الملوك والسلاطين صاحب برجلونة.
قال في التعريف: أما الريد فرنس فلم يرد له إلا رسول واحد أبرق وأرعد وجاء يطلب بيت المقدس على أنه يفتح له ساحل قيسارية أو عسقلان، ويكون للإسلام بهماً ولاة مع ولاته، والبلاد مناصفة ومساجد المسلمين قائمة، وإدارات قومتها دارة، على أنه يبذل مائتي ألف دينار تعجل وتحمل في كل سنة، نظير دخل نصف البلاد التي يتسلمها على معدل ثلاث سنين، ويطرف في كل سنة بغرائب التحف والهدايا، وحسن هذا الكتاب من كتبة القبط، كانوا صاروا رؤوساً في الدولة بعمائم بيضٍ وسرائر سود، وهم أعداء زرق، يجرعون الموت الأحمر، وعملوا على تمشية هذا المقصد وإن سرى في البدن هذا السم، وتطلب له الدرياق فعز وقالوا: هذا مال جليل معجل ثم ماذا عسى أن يكون منهم وهم نقطة في بحر، وحصاة في دهناء.
قال: وبلغ هذا أبي، رحمه الله، فآلى أن يجاهر في هذا، ويجاهد بما أمكنه، ويدافع بمهما قدر عليه، ولولا لاوى السلطان على رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة، وقال لي: تقوم معي وتتكلم، ولو خضبت منا ثيابنا بالدم، وراسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب، فأجاب وأجاد الاستعداد، فلما بكرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل، حضرت الرسل وكان بعض أولئك الكتبة حاضراً، فاستعد لأن يتكلم، وكذلك استعدينا نحن، فما استتم كلامهم حتى غضب السلطان وحمي غضبه، وكاد يتضرم عليهم حطبه، ويتعجل لهم عطبه، وأسكت ذلك المنافق بخزيته، وسكتنا نحن اكتفاء بما بلغه السلطان مما ورده بخيبته، فصد ذلك الشيطان وكفى الله المؤمنين القتال، وردت على راميها النصال، وكان الذي قاله السلطان: والكم أنتم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح، وكانوا جماعة أكراد ملفقة مجمعة، وما كان بعد هؤلاء الترك، وما كان يشغلنا عنكم إلا قتال التتر، نحن اليوم بحمد الله تعالى صلح نحن وإياكم من جنس واحد ما يتخلى بعضه عن بعض، وما كنا نريد إلا الابتداء، فأما فتحصلوا وتعالوا، وإن لم تجوا فنحن نجيكم ولو إننا نخوض في البحر بالخيل، والكم صارت لكم ألسنة تذكرون بها القدس، والله ما ينال أحد منكم منه ترابة إلا ما تسفيه الرياح عليه وهو مصلوب وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم، وردهم أقبح رد، ولم يقرأ لهم كتاباً، ولا رد عليهم سوى هذا جواباً.
قلت: فإن اتفق أن يكتب إلى الريد إفرنس المذكور فتكون المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى الأذفونش أو أجل من ذلك. واعلم أن الريد فرنس هو الذي قصد الديار المصرية بمواطأة الأذفونش، صاحب طليطلة المقدم ذكره، وملكوا دمياط وكانت الواقعة بينهم في الدول الأيوبية في أيام الصالح أيوب، وأخذ الريد فرنس وأمسك وحبس بالدار التي كان ينزلها فخر الدين بن لقمان، صاحب ديوان الإنشاء بالمنصورة، ورسم عليه الطواشي صبيح، ثم نفس عنه وأطلق لأمر قرر عليه، وقال في ذلك جمال الدين مطروح أبياته المشهورة وهي: [سريع]
قل للفرنسيس إذا جئته ** مقال صدق من قؤول نصوح

أتيت مصراً تبتغي ملكها ** تحسب أن الزمر يا بطل ريح

وكل أصحابك أودعتهم ** بحسن تدبيرك بطن الضريح

خمسين ألفاً لا ترى منهم ** غير قتيل أو أسيرٍ جريح

وفقك الله لأمثالها ** لعل عيسى منكم يستريح

آجرك الله على ما جرى ** أفنيت عباد يسوع المسيح

فقل لهم إن أضمروا عودة ** لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

دار ابن لقمان على حالها ** والقيد باق والطواشي صبيح

المقصد الثالث في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الجنوبي:
والمكاتب بهذا الجانب منهم ملكان:
الأول: صاحب أمحرا ملك ملوك الحبشة، ولقبه عندهم حطي بفتح الحاء وكسر الطاء المشددة المهملتين، سمة على كل من ملك عليهم منهم. قد تقدم في المسالك والممالك في المقالة الثانية أن نصراني يعقوبي، يحكم على تسعة وتسعين ملكاً منهم سبعة مسلمون، وهو صاحب وفات، وصاحب دوارو، وصاحب أرابيني وصاحب شرحا وصاحب هدية، وصاحب بالي وصاحب دارة وأنه لولا أن معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصح تعمد معمودي إلا باتصال من البطريرك، وأن كرسي البطريرك كنيسة الإسكندرية فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده لشمخ بأنفه عن المكاتبة لكنه مضطر إلى ذلك.
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه: أطال الله بقاء الحضرة العالية الملك الجليل الهمام الضرغام الأسد الغضنفر الخطير الباسل السميدع، العالم في ملته، العادل في مملكته، المنصف لرعيته، المستمع لما يجب في أقضيته، عز الملة النصرانية، ناصر الملة المسيحية، ركن الأمة العيسوية، عماد بني المعمودية، حافظ البلاد الجنوبية، متبع الحواريين والأحبار الربانيين والبطاركة القدسين، معظم كنيسة صهيون، أوحد ملوك اليعقوبية، صديق الملوك والسلاطين، ويدعى له دعاء مفخماً يليق به ولا يعلم له.
وهذا دعاء وصدر يليقان به، ذكرهما في التعريف: وأظهر فضله على من يدانيه من كل ملك هو بالتاج معتصب، ولكف اللجاج بالعدل منتصب، ولقطع حجاج كل معاند بالحق معتصر أو للحق مغتصب.
صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته العلية ومن حضرة القدس مسراها، ومن أسرة الملك القديم سراها، وعلى صفاء تلك السريرة الصافية ترد وإن لم يكن بها غليل، وإلى ذلك الصديق الصدوق المسيحي تصل، وإن لم تكن بعثت إلا من تلقاء الخليل. ولم يذكر القطع الذي يكتب إليه فيه. أما في التثقيف: فإنه ذكر أنه يكتب إليه في القطع الثلث بقلم التوقيعات ما نصه: أطال الله بقاء الملك الجليل المكرم الخطير الأسد الضرغام الهمام الباسل فلان بن فلان، العالم في ملته، العادل في مملكته حطي ملك أمحرا، أكبر ملوك الحبشان، نجاشي عصره سند الملة المسيحية عضد دين النصرانية عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، والدعاء وتعريفه صاحب الحبشة.
قال: فإن كانت المكاتبة جواباً، صدر الكتاب إليه بما صورته: ورد كتاب الملك الجليل، ويذكر بقية المكاتبة. ثم قال: وهذه المكاتبة هي التي استقر عليها الحال عندما كتب جوابه في التاسع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
وهذه نسخة جواب كتاب ورد عن صاحب الحبشة من سلطنة الملك المظفر صاحب اليمن، على الملك الظاهر بيبرس رحمه الله، بطلب مطران يقيمه لهم البطرك، مما كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله، وهي: ورد كتاب الملك الجليل الهمام العادل في ملته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان، الحاكم على ما لهم من البلدان نجاشي عصره، صديق الملوك والسلاطين، سلطان الأمحرا حرس الله نفسه وبنى على الخير أسه، فوقفنا عليه وفهمنا ما تضمنه. فأما طلب المطران فلم يحضر من جهة الملك أحد حتى كنا نعرف الغرض المطلوب، وإنما كتاب السلطان الملك المظفر صاحب اليمن ورد مضمونه أنه وصل من جهة الملك كتاب وقاصد، وأنه أقام عنده حتى يسير إليه الجواب. وأما ما ذكره من كثرة عساكره، وأن من جملتها مائة ألف فارس مسلمين، فالله تعالى يكثر في عساكر الإسلام. وأما وخم بلاده فالآجال مقدرة من الله تعالى، ولا يموت أحد إلا بأجله، ومن يفرغ أجله مات.
واعلم أن العادة جرت أنه كلما كتب إليه كتاب من أبواب السلطانية كتب قرينه كتاب عن البطريرك. قال في التعريف: ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة، وإذا كتب كتاباً فأتى ذلك الكتاب أول مملكته، خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم، ولا يزال يحمله بيده حتى يخرجه من أرضه، وأرباب الديانة في تلك الأرض، كالقسوس والشمامسة حول مشاة بالأدخنة فإذا خرجوا من حد أرضهم تلقاهم من يليهم أبداً كذلك في كل أرض بعد أرض حتى يصلوا إلى أمحرا، فيخرج صاحبها بنفسه، ويفعل مثل ذلك الفعل الأول، إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبي الملك. ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي، ولا قليل ولا كثير، حتى ينادي للكتاب، ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة، ويقرا الملك واقف، ثم لا يجلس مجلسه حتى ينفذ ما أمر به.
الثاني: صاحب دنقلة. قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن دنقلة هي قاعدة مملكة النوبة، وأنها كانت في الأصل يكون ملكها من نصارى النوبة، ومعتقدهم معتقد اليعاقبة، وأنه ربما غلب عليها بعض المسلمين من العرب فملكها، وقد تقدم ذكر المكاتبة إلى صاحبها إذا كان مسلماً أما إذا كان نصرانياً فقد ذكر في التثقيف أن المكاتبة إليه: هذه المكاتبة إلى النائب الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان، مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية، غرس الملوك والسلاطين، والدعاء وتعريفه النائب بدنقلة.
المقصد الرابع في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الشمالي من الروم والفرنجة على اختلاف أجناسهم:
وجميعهم معتقدهم معتقد الملكانية، وجملة ما ذكر من المكاتبات في التعريف والتثقيف اثنتا عشرة مكاتبة: الأولى: مكاتبة الباب وهو بطريك الملكية، القائم عندهم مقام الخليفة، والعجب من جعله في التثقيف بمنزلة القان عند التتار، والقان إنما هو بمنزلة ملكهم الأكبر والباب ليس من هذا القبيل بل إليه أمر الديانة حتى في التحليل والتحريم. وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البطاركة أنهم كانوا يسمون القسيس ونحوه أباً، ويسمون البطريرك أباً، فأحبوا أن يأتوا على البطريرك بسمة له تميزه عن غيره من الآباء، فاختاروا له لفظ الباب، وأنه يقال فيه الباب والبابا ومعناه أبو الآباء، ثم لما غلب الروم على المملكة وعلت كلمتهم على اليعاقبة، خصوا اسم الباب ببطريركهم، فصار ذلك علماً عليه، ومقره مدينة رومية على ما تقدم من هناك، ورسم المكاتبة إليه على ما ذكر في التثقيف ضاعف الله بهجة الحضرة السامية الباب الجليل القديس الروحاني الخاشع العامل بابا رومية، عظيم الملة المسيحية قدوة الطائفة العيسوية، مملك ملوك النصرانية حافظ الجسور والخلجان، ملاذ البطاركة الأساقفة والقسوس والرهبان تالي الإنجيل، معرف طائفة التحريم والتحليل صديق الملوك والسلاطين، والدعاء، وصدرت هذه المكاتبة.
قال في التثقيف: هذا ما وجدته مسطوراً ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي، ولا أدري في أي شيء كان يكتب إليه ولا عرفت تعريفه، ولم يتعرض له المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف جملة، ورأيت في بعض الدساتير أنه لم يكتب إليه إلا مرة واحدة، وأن المكاتبة إليه في قطع النصف من المكاتبة المتقدمة.
الثانية: المكاتبة إلى ملك الروم صاحب القسطنطينية. قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها صارت آخراً إلى بني الأشكري فصار الأشكري سمة لهم ملكاً بعد ملك. قال في التعريف: وقد كان قبل غلبة الفرنج ملكاً جليلاً، يرجع إليه عباد الصليب سائر الملوك، ويفتقر إليه منهم الغني والصعلوك، وكتب التواريخ مشحونة بأخباره، وذكر وقائعه وآثاره، وأول من ألبس هامته الذلة وأصار جمعه على القلة، هارون الرشيد حين أغزاه أبوه المهدي إياه، فأزال الشمم من أنفه، وثنى جامح عطفه، فأما غزوات مسلمة بن عبد الملك ويزيد بن معاوية فإنها لم تبلغ فيه حد النكاية، ولا أعظمت له الشكاية، قال: وهذا الملك الآن كان السلطان أزبك قد كاد يبتز تاجه، ويعقم نتاجه، ويخل من جانب البحر المغلق رتاجه، فاحتاج إلى مداراته وبذل له نفائس المال، وصحب أيامه على مضض الاحتمال، وكانت له عليه قطيعة مقررة، وجملة مال مقدرة، ثم عميت علينا بعده منهم الأخبار، وتولى بالدنيا الإدبار.
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف: ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة العالية المكرمة حضرة الملك الجليل الخطير الهمام الأسد الغضنفر الباسل الضرغام المعرق الأصيل الممجد الأثير الأثيل، البلالاوس، الريدأرغون ضابط الممالك الرومية، جامع البلاد الساحلية وارث القياصرة القدماء، محيي طرق الفلاسفة والحكماء، العالم بأمور دينه، العادل في ممالكه، معز النصرانية مؤيد المسيحية أوحد ملوك العيسوية، مخول التخوت والتيجان حامي البحار والخلجان، آخر ملوك اليونان ملك ملوك السريان عماد بني المعمودية، رضي الباب بابا رومية، ثقة الأصدقاء صديق المسلمين، أسوة الملوك والسلاطين، ثم يكتب اسمه هنا ويدعى له، ولم يذكر قطع الورق الذي يكتب إليه فيه.
وهذا دعاء وصدر يلقيان به أوردهما في التعريف: وجعل له من السلامة يداً لا تزعزعه من أوطانه، ولا تنزعه من سلطانه، ولا يتوجب له إلا استقراراً لتيجانه، واستمراراً بملكه على ما دارت على حصونه مناطق خلجانه، ولا برحت ثمار الود تدنو من أفنائه، ومواثيق العهد تبوئ له ما يسر به من إشادة معالم سلفه وشد بناء يونانه أصدرناها وشكره كجاره البحر لا يوقف له على آخر، ولا يوصف مثل عقده الفاخر، ولا يكاثر إلا قيل: أين هذا القيل من هذا الزاجر؟ آخر له: ونظم سلكه وحمى بحسن تأتيه ملكه، وكفى محبه هلكه، وأجرى بوده ركائبه وفلكه، ووقاه كذب الكاذب وكف إفكه، وأشهد على وده الليل والنهار وما جن كافور هذا كافوره ولا مسك هذا مسكه.
قلت: هذا الدعاء والصدر وإن أورده في التعريف في جملة الأدعية له والصدور، فإنه منحط الرتبة عن المكاتبة السابقة، اللهم إلا أن يخص هذا بحالة منابذة أو تهديد، ونحو ذلك.
وذكر في التثقيف أن الذي استقر عليه الحال في المكاتبة إليه أنه يكتب إليه في قطع النصف ما نصه: ضاعف الله تعالى بهجة حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الأسد الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام فلان، العالم في ملته العادل في أهل مملكته، عز الأمة المسيحية، كبير الطائفة الصليبية جمال بني المعمودية، صمصام الملوك اليونانية، حسام المملكة الماكصوينة، مالك اليرغلية والأملاحية، صاحب أمصار الروس والعلان، معز اعتقاد الكرج والسريان، وارث الأسرة والتيجان، الحاكم على الثغور والبحار والخلجان، الضوقس الأنجالوس الكمنيفوس البالالوغس صديق الملوك والسلاطين، ثم الدعاء. صدرت هذه المكاتبة إلى حضرته تشكر موالاته، ومن هذه المادة وتوضح لعلمه السعيد.
ورأيت في بعض الدساتير أنه يختمها بقوله: فيحيط بذلك علماً، والله تعالى يديم بهجته.
قال في التثقيف: وتعريفه ضابط مملكة الروم، وذكر أن المكاتبة هي المتداولة بديوان الإنشاء بين كتابه، وأنه هو كتب بها إليه، ولم يتعرض لإيراد المكاتبة التي ذكرها في التعريف، بل أحال في معرفتها لمن أرادها على النظر فيه.
الثالثة: المكاتبة إلى حكام جنوة، وهم جماعة متفاوتو المراتب، وهم: البودشطا والكبطان والمشايخ، ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكر في التثقيف في قطع الثلث. صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة البودشطا والكبطان الجليلين، المكرمين الموقرين، المبجلين الخطيرين فلان وفلان، والمشايخ الأكابر المحترمين، أصحاب الرأي والمشورة الكمنون بجنوة، أمجاد الأمة المسيحية، أكابر دين النصرانية، أصدقاء الملوك والسلاطين، ألهمهم الله تعالى رشدهم، وقرن بالخير قصدهم وجعل النصيحة عندهم، تتضمن إعلامهم كذا وكذا. وتعريفهم الحكام بجنوة.
قال في التثقيف: والذي استقر عليه الحال آخراً في مفتتح سنة سبع وستين وسبعمائة إبطال المكاتبة إلى البودشطا والكبطان، بحكم أنهما أبطلا، واستقرت مكاتبة الدوج مكانهما بما نصه: صدرت هذه المكاتبة إلى الدوج الجليل المكرم المبجل الموقر الخطير فلان والمشايخ، والباقي على ما تقدم ذكره.
قلت: هكذا في التثقيف بدال وواو وجيم، والمعروف إبدال الجيم في آخره كافاً على ما سيأتي ذكره في الكلام على صاحب البندقية على الأثر.
واعلم أنه قد ذكر في التثقيف أنه كان لصاحب جنوة مقدم على الشواني بقبرس، وقيل إنه كان بالماغوصة وأنه كتب إليه في رمضان جواباً عما ورد عنه في قطع العادة ما نصه: وردت مكاتبة المحتشم، الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان، مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية، غرس الملوك والسلاطين، ثم الدعاء. تعريفه مقدم الشواني الجنوية بقبرس.
الرابعة: المكاتبة إلى صاحب البندقية. قال في التثقيف: ورسم المكاتبة إليه على ما أستقر عليه الحال عندما كتب إليه جوابه في شهر رجب سنة سبع وستين وسبعمائة وهو يومئذ مركريادو في قطع الثلث: وردت مكاتبة حضرة الدوج الجليل المكرم الخطير الباسل الموقر المفخم مركريادو فخر الملة المسيحية جمال الطائفة الصليبية دوج البندقية والمانسية دوج كرال دين بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه صاحب البندقية ثم ذكر بعد ذلك نقلاً عن خط القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب في الجواب إلى دوك البنادقة: وردت مطالعة الدوك الجليل، المكرم المبجل الموقر البطل الهمام الضرغام الغضنفر الخطير مجد الملة النصرانية فخر الأمة العيسوية عماد بني المعمودية معز باب رومية، صديق الملوك والسلاطين، دوك البنادقة وديارقة والروسا والإصطنبولية. ثم قال ولم يذكر تعريفه ولا قطع الورق الذي يكتب إليه فيه ثم نقل عنه أيضاً إلى المكاتبة إلى دوك البندقية: هذه المكاتبة إلى حضرة المحتشم الجليل المبجل الموقر المكرم المفخم الباسل الضرغام فلان، عز الأمة المسيحية جمال الطائفة العيسوية، ذخر الملة الصليبية صديق الملوك والسلاطين. ثم قال: هكذا رأيته من غير ذكر تعريفه ولا القطع الذي يكتب إليه فيه. قال: وما يبعد أنه غير الأول ولم يزد على ذلك.
قلت: ومقتضى ما ذكره من جميع ذلك أن الدوك غير الملك نفسه. على أن المكاتبة الأولى والثانية في الجواب متقاربان. أما المكاتبة الثالثة فمنحطة عن الأولتين. على انه قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البندقية نقلاً عن ابن سعيد أن ملك البنادقة يقال له الدوك بضم الدال المهملة وواو وكاف في الآخر، وهذا مما يحتاج إلى تحرير، فإن كان الدوك هو الملك فتكون المكاتبة إليه اختلفت باختلاف الحال، أو باختلاف غرض الكتاب، أو عدم اطلاعهم على حقيقة الأقدار والوقوف مع ما يلقى إليهم من المزاحمة في كل وقت، وهو الظاهر.
الخامسة: المكاتبة إلى صاحب سنوب من سواحل بلاد الروم، قبل أن تفتح ويستولي عليها التركمان. قال في التعريف: وهي على ضفة الخليج القسطنطيني وملكها رومي من بيت الملك القديم من أقرباء صاحب القسطنطينية. قال: ويقال أن أباه أعرق من آبائه في السلطان. قال: ولكن ليس ملكه بكبير ولا عدده بكثير بينه وبين أمراء الأتراك حروب يكون في أكثرها المغلوب. وذكر أن رسم المكاتبة مثل متملك سيس فتكون على ما ذكره في مكاتبة متملك سيس: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان، فخر الملة المسيحية، ذخر الأمة النصرانية، عماد بن المعمودية صديق الملوك والسلاطين وهذا الدعاء يليق به ذكره في التعريف: وكفاه شر ما ينوب، وروح خاطره في الشمال بريا ما يهب من الجنوب ووقاه سواء فعل يورث الندم وأول ما يقرع السن سنوب.
السادسة: المكاتبة إلى صاحب البلغار والسرب. قد تقدم في الكلام على المكاتبات إلى ملوك الإسلام بالجانب الشمالي نقلاً عن التعريف ما يقتضي أن ملكها مسلم وذكرت مكاتبته الإسلامية هناك وعلى ذلك اقتصر في التعريف وتقدم النقل عن مسالك الأبصار، أنها صارت إلى ملوك النصرانية وعليه اقتصر في التثقيف وهو المراد هنا. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف نقلاً عن ابن النشائي في قطع الثلث ما نصه: أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الهمام الضرغام الباسل الدوقس الأنجالوس الكمنينوس فلان، عماد النصرانية مالك السرب والبلغار، فخر الأمة العيسوية، ذخر الملة المسيحية فارس البحور حامي الحصون والثغور والدعاء أصدرنا هذه المكاتبة وتعريفه صاحب البلغار.
واعلم أنه في التثقيف بعد أن أورد المكاتبة المتقدمة لصاحب السرب والبلغار، نقلاً عن ابن النشائي، ذكر نقلاً عنه أيضاً أن المكاتبة إلى صاحب السرب في قطع الثلث نظير متملك سيس، فتكون المكاتبة إليه على ما تقدم أنه الذي استقر عليه الحال في المكاتبة لمتملك سيس: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان، عز دين النصرانية، كبير الطائفة الصليبية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا، وتعريفه صاحب السرب.
ثم قال: ولم أدر هل يجتمعان لشخص واحد تارة فيكون بهما اثنان تارة وواحد تارة أم لا ثم قال: على أنه لو كان الأمر كذلك لكان يتعين أن يذكر مكاتبة صاحب بلغار وحده منفرداً كما ذكر مكاتبة صاحب السرب وحده منفرداً.
قلت كلا الأمرين محتمل فيجوز أنهما كانا مجتمعين لواحدٍ وأنه كتب تعريفه بالإضافة إلى أحدهما استغناء به عن الآخر أو أنه كتب إلى صاحب السرب بمفرده ولم يحط رتبته في قطع الورق عن رتبة من اجتمعا له، ولا يلزم من ذلك أنه كان يكتب لصاحب البلغار بمفرده لاحتمال أنه لم يكتب إليه شيء حينئذ وبالجملة فهذا أمر راجع إلى النقل.
السابعة: المكاتبة إلى ملك رودس. قال في التعريف: وهي جزيرة تقابل شطوط البلاد الرومية قال: وأهلها في البحر حرأمية إذا ظفروا بالمسلم أخذوا ماله وأحيوه وباعوه أو استخدموه وإذا ظفروا بالفرنجي أخذوا ماله وقتلوه.
ورسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية وتختصر بعض ألقابه لأنه دونه وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة إليه: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل السميدع فلان، فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية صديق الملوك والسلاطين أو نحو ذلك. على أنه في التعريف لم يذكر في المكاتبة إلى متملك سيس معز بابا رومية فلم يكن ليحتاج أن يقول: إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية. وهذا دعاء يليق به ذكره في التعريف وهو: قدم الله له الأعذار وكفاه قوامع الإنذار وحذره عاقبة البغي قبل أن ينفع الحذار.
آخر: فك الله من وثاقه كل مأسور وأقال كل غراب له من الرجوع وجناحه مكسور وعصمه بالتوبة مما اقترف لا بالبحر ولو أنه سبعة أبحر وسور مدينته ولو أنه مائة سور.
الثامنة: المكاتبة إلى صاحب جزيرة المصطكلى قال في التعريف: وهي جزيرة صغيرة لا تبعد مدى من الإسكندرية وصاحبها صغير لا في مال ولا في رجال وجزيرته ذات قحط لا يطر صاحبها بزرع ولا يدر حالبها بضرع إلا أنها تنبت هذه الشجرة فتحمل منها وتجلب وترسى السفن عليها بسببها وتطلب. قال: وفي ملكها خدمة لرسلنا إذا ركبوا ثبج البحر وتجهيز لهم إلى حيث أرادوا وتنجيز لهم إذا توجهوا وإذا عادوا. ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كالمكاتبة إلى صاحب جزيرة رودس المتقدمة الذكر آنفاً وهي: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل إلى آخر ما تقدم. وهذه أدعية تليق به ذكرها في التعريف دعاء من ذلك: وفقه الله لطاعته، وأنهضه من الولاء بقدر طاقته.
آخر: أطاب الله قلبه وأدام إلينا قربه.
آخر: لا زال إلى الطاعة يبادر وعلى الخدمة أنهض قادر، ومكانه تزم إليه ركائب السفن بكل وارد وصادر.
التاسعة: المكاتبة إلى متملك قبرس. وإنما قيل له متملك قبرس لأنها كانت قد فتحها المسلمون، ثم تغلب عليها النصارى وملكوها، فقيل لمن غلب عليها متملك ولم يقل له ملك، وذكر في التثقيف عن القاضي ناصر الدين بن النشائي أن المكاتبة إليه مثل متملك سيس ولم يزد على ذلك، وحينئذ فتكون المكاتبة إليه مثل ما استقر عليه الحال في المكاتبة إلى متملك سيس في قطع العادة: صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان، عز دين النصرانية، كبير الطائفة الصليبية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، أدام الله نعمته وحرس مهجته وتعريفه متملك قبرس.
قال صاحب التثقيف: ولم أقف على المكاتبة إليه ابتداء ولا جواباً سوى ذلك، إلا أنه كتب إليه عن الأمير الجاي اليوسفي عند وقوع الصلح في سنة اثنتين وستين وسبعمائة، يعني عندما كان الجاي أتابك العساكر المنصورة.
العاشرة: المكاتبة إلى ملك مونفراد. ذكر في التثقيف أنه كان بها ابن ملك إصطنبول، وأنه كتب إليه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة: أصدرناها إلى حضرة الملك الجليل المكرم البطل الهمام الأسد الضرغام فلان، مجد النصرانية، فخر العيسوية عماد بني المعمودية، جمال الطائفتين الرومية والفرنجية، ملك مونفراد وارث التاج معز الباب أدام الله بقاءه وحفظه ووقاه وأورثه من أبيه تخته وتاجه وولاه، تتضمن إعلامه كذا وكذا.
ثم قال: هذا ما وجدته مسطوراً في رسم المكاتبة المذكورة ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي. ولم أدر ما تعرفه، ولا في أي قطع يكتب إليه، قال: والذي يظهر أنه يكتب إليه في قطع العادة، وأن يكون تعريفه ملك مونفراد.
الحادية عشرة: المكاتبة إلى صاحب نابل. وقد ذكر في التثقيف أنه كان اسم صاحبتها جوانا، وأنه كتب إليها في أواخر سنة ثلاثة وسبعين وسبعمائة ما صورته: صدرت هذه المكاتبة إلى الملكة الجليلة المكرمة المبجلة الموقرة المفخمة المعززة فلانة، العالمة في ملتها، العادلة في مملكتها، كبيرة دين النصرانية، بصيرة الأمة العيسوية حأمية الثغور، صديقة الملوك والسلاطين. ثم الدعاء تتضمن إعلامها وتعريفها صاحبة نابل ولم يذكر قطع الورق لمكاتبتها، ولا خفاء أنه يكتب إليها في قطع العادة لصغر مقامها.
قلت: فإن ولي مملكتها رجل، فينبغي أن يكتب إليه بهذه المكاتبة على التذكير أو أعلى من ذلك، لميزة الرجال على النساء. وهؤلاء جملة من تعرض إلى مكاتبته في التعريف والتثقيف من ملوك الكفر، فإن اتفقت المكاتبة إلى أحد سواهم فليقس على من هو مثله منهم. ثم قد ذكر في التثقيف القنصل بكفا، وذكر أنها جارية في حكم جنوة، وأنه لم يكتب إليه شيء عن المواقف الشريفة، ولا خفاء في ذلك، فإن مقام القنصل دون أن يكاتب عن أبواب السلطانية.